الأدب و السينما أية علاقة ؟

يبدو أن ما كان سائدا من كلام عن السينما كونها تعيش على هامش المشهد الثقافي العربي بشكل عا ، لم يعد له ما يبرره في العقود الأخيرة حينما فرضت السينما نفسها باعتبارها جزء من النسيج القافي و الحضاري العام و مجالا خصبا لتسجيد زاوية من زوايا الرؤية و الموقف العربي إزاء ما يعتمل داخله و ما يواجهه من تحديات ، فظهور المنابر الإعلامية المخصصة للسينما سواء أكانت صحفا أو مجلات أو دراسات ، و إقامة لقاءات حول السينما تحت إشراف جمعيات ثقافية أو أندية سينمائية , إقامة أيام دراسية و ندوات جامعية و تأسيس محترفات سينمائية و إقامة المهرجانات السينمائية ذات الطابع الوطني أو الإقليمي أو الدولي ، ثم ما صارت السينما تحضى به من دعم معنوي و مادي من قبل الأجهزة الرسمية على الرغم من قلة هذا الدعم في كثير من البلاد العربية ، كل هذا يعني أن السينما أعلنت نفسها باعتبارها واحدة من مكونات الفكر العربي التي لا يجب إغفالها .
صحيح أن بعض التجارب السينمائية في الوطن العربي ما زالت في مهدها , ان بعضها الآخر
كاتجربة السينمائية المغربية تعرف نوعا من المد و الجزر في مسيرتها ، لكن المؤشرات حاليا توحي بأن مشروعا سينمائيا قيد التأسيس لا محالة .
إن البحث في علاقة السينما بالأدب هو بحث في علاقة شرعية بين خطابين يلتقيان في كونهماا مها كتابة و صناعة ، و إن كان مفهوم الصناعة في الخطاب الأدبي يختلف عنه في الخطاب السينمائي ، غير أن الذي لا شك فيه هو أن الأدب عبر التاريخ العربي شكل دائما خطابا فاعلا في البناء الثقافي و الحضاري ، فكيف للسينما التي ترتبط بالأدب بأكثر من صلة أن لا تكون مثله فاعلية و تأثيرا ، بخاصة إذأ علمنا أن البدايات الأولى للسينما العربية اعتمدت المسرح ، و رجال المسرح و أدبيات المسرح و جمالياته ، و ظل تأثير أبي الفنون في السينما العربية ساريا حتى بعد ظهور الإستوديوهات و روز فكرة التخصص في المهن
( ألمنتج ، الموزع ، مستغل القاعات ... الخ ) .
و قد توطدت العلاقة بين الادب و السينما حينما فرضت الرواية نفسها باعتبارها خطابا مركزيا في الحساسية الإبداعية العربية ، فسارعت السينما إلى التعامل مع هذا الجنس الأدبي باقتباس روايات عدد كبير من الروائيين العرب و الأجانب و تحويلها إلى صور و اصوات لدرجة صرنا معها لا نتكلم فقط عن تأثير السينما أيضا في الكتابة الروائية ، فقيل مثلا أن بعض الروائيين كتبوا بعض رواياتهم بأسلوب سينمائي أخاذ مثل إبراهيم أصلان الذي يمتلك حاسة سينمائية حادة في سرده و يوظفها باقتدار و وعي ، يكتب مقاطع تصويرية تتنوع على لقطات تتراوح في القرب و البعد باتنظام و تتميز بحركية سلسلة الأشخاص و الأماكن من خارج
و يعزف عن أي ملمح توصيفي لا يستمد مادته من الأشكال و الألوان يختار الأفعال ذات الدلالة المتحركة و لا يقضي بيان تعجز عدسة الكاميرا عن التقاطه صلاح فضل أساليب السرد في الرواية العربية ص 189 .
أو كما هو الشأن عند صنه الله ابراهيم في روايته '' ذات إذ '' يزاوج بترتيب صارم بين وحدات السرد القصصي و وحدات التوثيق الصحي ، بتقنية تشكيلية و سيمائية محدثة يمكن أن نسميها '' الكولاج '' الذي يعتمد على إعادة تصميم و لصق المزق الخشنة المأخوذة من مادة الحياة الأولية لتدخل في تكوين جمالي جديد بحيث يتم مسح ما علق بمصدرها من بقايا الإستعمال الأول و توظيفها في السياق الكلي الجديد نفسه ص 205
و لا شك أنه في ظل هذه المعطيات شيدت سلطة الإصطلاح المركزي
'' الكتابة السينمائية '' و ما يتبع ذلك من اصطلاحات محيط مثل '' المؤلف السينمائي ''
'' الفيلم الروائي '' '' الفيلم التسجيلي '' '' الفيلم الوثائقي '' و الفيلم القصير '' ...الخ
و كلها اصطلاحات تؤمن بسلطة فعل الكتابة و هو ما اقتضى بالضرورة بحث الإختلافات
و التقاطعات بين الكتابة السينمائية و الكتابة الأدبية ، و بخاصة الكتابة الروائية ، و كان هناك شبه إجماع على أن الكتابة السينمائية و إن كانت تلتقي مع الكتابة الأدبية إلا أنها اكتست تميزا و خصوصيات لا تبعدها عن الكتابة الأدبية إلا بتلك الوسائل التقنية ذات الصبغة الصناعية ، التي تعتمد الأدوات المادية و الأجهزة و طرق تشغيلها و تحريكها مما لا يتوفر في الكتابة الادبية إلا على سبيل المقارنة أو المجاز كأنه يقال مثلا : إن الإكسسوار يلعب نفس الدور الذي تلعبه '' الصفة '' في القصة و الرواية ، فالقصاص يقول امرأة غنية و كاتب السناريو يظهرها و هي تلبس الفراء و القصاص يقول غرفة فيها فوضى و كاتب السيناريو يظهرها على أرض الغرفة عدة علب طعام فارغة '' صلاح أبو يوسف '' كيف تكتب السيناريو ص 24 .
هذه بعض الملامح التي تؤكد حميمية العلاقة بين السينما و الأدب لأن ما يحكمهما معا هو خضوعهما الحتمي لقواعد البناء الدرامي .

موضوع: مشاركة الإثنين مارس 15, 2010 12:16 pm

شكرا لك على ال×تيار الرائع و المفيد
جزاك الله خيرا
ننتظر منك الجديد

موضوع: مشاركة الإثنين مارس 15, 2010 3:37 pm

زيارتك الطيبة أسعدتني كثيرا
و عباراتك الرقيقة أفرحتني أكثر
تقبل ازكى التحايا

» ما هو الأدب ؟
» عناصر الأدب
» الجاهلية و الأدب الجاهلي
» الأدب و سائر الفنون